إنتفاضة لبنان والمهمة الصعبة ...!

إنتفاضة لبنان والمهمة الصعبة ...!

  • إنتفاضة لبنان والمهمة الصعبة ...!

اخرى قبل 5 سنة

إنتفاضة لبنان والمهمة الصعبة ...!

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

صيف العام 1979م قضيت في بيروت سبعون يوماً بغرض البحث العلمي، وقد رعاني في تلك الرحلة البحثية المرحوم الشهيد ماجد أبو شرار، وقد سهل لي مهمتي البحثية، في الوصول إلى المكتبات والمراكز الصحفية والدراسات، كما أتاحت لي تلك الزيارة أن أقف على تفاصيل الحرب الأهلية، التي كان يشهدها لبنان، وتفاصيل الحياة السياسية، في نهاية الرحلة ذهبت لوداع المرحوم ماجد فسألني كيف رأيت لبنان، فكان الجواب: بلد جميل جداً وشعبه رائع ونشيط ومقبل على الحياة، ويتحدى الصعاب، إلا أنه يمثل الجزء الأكثر تخلفاً سياسياً في أمتنا العربية، فالدهشة أصابت المرحوم ماجد إلى درجة أمسك شعر رأسه بكلتا يديه، فقال ماذا تقول، فكررت العبارة على مسمعه، فقال لماذا ؟!

أجبته: لقد تعلمنا في علم السياسة أن الأحزاب السياسية تعد مظهراً وأداة من مظاهر وأدوات الحداثة والتقدم السياسي، إلا أن هذا لا ينطبق على أحزاب لبنان، فهو مظهر خادع، وأداة من أدوات تكريس التخلف السياسي المبني على الطائفية والبعيد كل البعد عن الوطنية، الأحزاب السياسية التي تمثل الحداثة السياسية وتعتبر مظهراً من مظاهرها هي الأحزاب ذات القواعد الوطنية العامة وهذا الذي لم ألمسه في أحزاب لبنان.

اليوم وبعد مرور أربعين عاما على تلك الزيارة، لم تتغير الأحزاب السياسية اللبنانية عما كانت عليه، لذا تأتي إنتفاضة لبنان وثورته على الطبقية السياسية والحزبية وفساد حكمها وفشله، وما نتج عنه من ظروف إقتصادية صعبة وضع فيها لبنان وشعبه الطيب.

بات الشعب اللبناني اليوم يجهر بإنتمائه لوطنيته المتجاوزة لحدود الأحزاب والطوائف، بغض النظر عن الإنتساب لهذه الطائفة أو تلك، لقد هدمت ثورة لبنان تلك الحواجز الطائفية ومدت جسور التواصل المجتمعي والمصلحي بين أبنائه على إختلافهم، على أسس وطنية، مسقطة الواقع السياسي الذي إستند إليه نظام الحكم المنبثق عن ميثاق 1943م ودستوره وتعديلاته التي لم تعد تلبي حاجة المواطن اللبناني، هنا تكمن المواجهة مع المستفيدين من النظام القائم المبني على تكريس التخلف والطائفية السياسية التي أرهقت الشعب اللبناني بما أنتجته من حكم ضعيف وفاشل وفاسد تحميه أحزاب وميليشيات طائفية ..!

من أجل أن يحقق الشعب اللبناني غاياته في إصلاح الحكم ووضع حد لفساده ومحاسبة الفاسدين والخروج من أزماته المزمنة، لابد من إعادة صياغة الحكم على أسس دستورية حديثة مدنية ديمقراطية وطنية تستجيب لتطلعات اللبنانيين جميعا ...

إن لبنان أمام مهمة صعبة ليس لها شبيه سوى نظام الحكم في العراق الذي أرساه الإحتلال الأمريكي له في عام 2003م، والذي يشهد هو الأخر إنتفاضة وثورة على الحكم وفساده ويسعى للتخلص من ذلك النظام المبني أيضاً على المحاصصة الطائفية المقيتة.

فهل تستجيب الطبقة السياسية الطائفية المتحكمة في لبنان لمطالب الشعب اللبناني، وتتيح الإنتقال للبنان سلميا وتجري ما يتوجب من تعديلات دستورية، تخرج لبنان من أزماته، وتؤسس لنظام مدني ديمقراطي حديث، أسئلة تحتاج إلى جواب..؟!

إن المهمة ليست بالسهولة التي يراها البعض، إنها غاية في الصعوبة لاصطدامها بأصحاب المصالح والمتنفذين في الوضع القائم وقد لوح بعضهم بالتمترس خلف مواقفه ومكاسبه، موجها سهام التشكيك لهذه المظاهرات والإعتصامات، وهذا نذير بالخطر المقدم عليه لبنان ...!

إن واقع التحولات وجملة المتغيرات تفرض على قوى الشد العكسي أن تتجاوب مع رغبة الشعب اللبناني بالتغيير حتى يحقق المواطن مصالحه في العيش بحرية وكرامة وأمن ورفاه.

د. عبد الرحيم محمود جاموس

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

E-mail: pcommety @ hotmail.com

الرياض 27/10/2019م

التعليقات على خبر: إنتفاضة لبنان والمهمة الصعبة ...!

حمل التطبيق الأن